بروز قوى رأسمالية جديدة خارج أوربا (الولايات المتحدة
الأمريكية واليابان)
مقدمة
شهد النصف الثاني من القرن 19م ميلاد قوتين رأسماليتين جديدتين هما
الولايات المتحدة الأمريكية واليابان. اللتان تشكلان منافسا حقيقيا لأوربا.
- ما
السياق التاريخي لبروز هاتين القوتين؟
- ما
مظاهر ظهورها والعوامل المفسرة لها؟
- ما
وضعية ميزان القوى داخل العالم الرأسمالي بعد ظهور هاتين القوتين؟
I- السياق التاريخي لبروز الولايات المتحدة
الأمريكية واليابان كقوتين رأسماليتين خارج أوروبا
1- السياق التاريخي لبروز الولايات المتحدة
الأمريكية
ظهرت الولايات
المتحدة الأمريكية كدولة رأسمالية قوية بعد حرب الانفصال، التي خلفت حصيلة كبيرة
في الأرواح (600ألف قتيل)، ومدن مخربة وساحات فلاحية شاسعة متلفة. وقد تضررت
الولايات الجنوبية أكثر، بينما استفادت الولايات الشمالية، لهذا فان عملية إعادة
البناء انطلقت في ظروف صعبة، تحت تأثير ضغط البورجوازية الصناعية في الشمال، وتوجت
هذه الوضعية بحصول الولايات الجنوبية على حكمها الذاتي في ظل النظام الفيدرالي.
2- السياق التاريخي لبروز اليابان
كانت اليابان في الماضي عبارة عن دولة فيودالية منغلقة على نفسها، حيث ظل جهاز الشوغون، المكون من الدايموات، هو المهيمن على السلطة داخل اليابان، في الوقت الذي بقي فيه الامبراطور منعزلا في قصره بعيدا عن الأحوال السياسية لإمبراطوريته. لكن مع بداية سنة 1868م ظهرت فئات معارضة لحكم الدايموات، تتكون من الفلاحين المتمردون والتجار ذوي الميولات الرأسمالية، والدايوات الطموحين سياسيا، والمثقفين المتأثرين بالفكر الغربي. كل هذه الفئات مهدت لثورة الميجي.
II- مظاهر البروز الأمريكي والياباني خلال
القرن 19م وبداية القرن 20م: والعوامل المفسرة لها
1- مظاهر بروز الرأسمالية الأمريكية
والعوامل المفسرة لها
أ-
مظاهر البروز الأمريكي
تتجلى
مظاهر البروز الأمريكي في ارتفاع سريع لمؤشر الإنتاج الصناعي، وظهور العديد من
المدن الصناعية والمناطق الصناعية المزدهرة في الشرق الأمريكي. بالإضافة إلى تضاعف
كبير في العديد من المؤشرات الاقتصادية كالإنتاج الزراعي والإنتاج المعدني، والارتفاع
الكبير في عدد السكان، وتوسع شبكة السكك الحديدية.
ب-
عوامل البروز الأمريكي
من بين العوامل المفسرة للبروز الأمريكي
نذكر:
العوامل التنظيمية: التي تتمثل في تبني النظام الليبرالي، الذي يسمح بنشوء
تركيزات رأسمالية كبرى، وظهور نخبة من رجال الصناعة وأرباب المصانع أمثال روكفيلر
ومورغان وفورد...بالإضافة إلى التسيير العقلاني للعمل في المصانع.
دور العوامل الطبيعية وتتمثل في وفرة الموارد الطبيعية.
دور العوامل الديموغرافية وتتجلى في توافد أعداد كبيرة من المهاجرين من أوروبا، والتي
شجعتها الحكومة الفيدرالية، حيث تدفقت أعداد هائلة من الساكنة الأوروبية نحو
أمريكا واندمجوا في بناء الرأسمالية الأمريكية.
دور البنيات التحتية: لعبت دورا كبيرا في الربط بين المناطق الشرقية المزدهرة صناعيا والمناطق الغربية الغنية بالموارد الطبيعية.
3- مظاهر الرأسمالية اليابانية والعوامل المفسرة لها
أ-
مظاهر البروز الياباني
تتجلى
مظاهر البروز الياباني في تحول اليابان في نهاية القرن 19م من دولة مستهلكة إلى
دولة مصنعة، حيث أصبحت تصدر المواد المصنعة وتستورد المواد الأولية. بالإضافة إلى تركز
حصة كبيرة من النشاط الاقتصادي في أيدي الزايباتسو، وتحول مدينة أوساكا إلى مركز عالمي
لصناعة القطن.
ب-
عوامل البروز الياباني
بعد
ثورة "الميجي" سنة 1868م التي قادها الامبراطور الياباني "ميتسوهيتو"،
باشرت اليابان مجموعة من الخطوات الإصلاحية والتي شملت:
|
الإصلاحات
السياسية والادارية |
الإصلاحات
الاقتصادية |
الإصلاحات
العسكرية |
الإصلاحات
الاجتماعية |
|
- إقرار المساواة أمام القانون. - تقسيم البلاد إلى عمالات وإلغاء
نظام الاقطاعات. - اعلان دستور للبلاد على النموذج
البروسي. - تكوين مؤسسات منتخبة. - ظهور الأحزاب السياسية والصحف. |
-
إقرار
ملكية الأراضي للفلاحين مع أداء ضريبة للدولة. |
-
إقرار
التجنيد الإجباري، وتحديث الجيش على النمط الألماني. |
-
إجبارية
التعليم العمومي، مع التركيز على الشعب العلمية والتقنية. -
إدماج
الفئات المحافظة في النظام الجديد ودخوله إلى عالم الاستثمارات المالية والوظائف
الإدارية والجيش. |
كما
أن هناك عوامل أخرى ساعدت كثيرا في البروز الياباني منها:
-
الدور
الذي لعبته كذلك دولة الميجي التي أنشأت المصانع الكبرى، وجلبت الخبراء الأجانب
وأرسلت البعثات الطلابية للدراسة والتكوين في أوروبا، وفتحت المبادرة الرأسمالية
للخواص.
-
اصدار
الدولة اليابانية مجموعة من القوانين، التي تتضمن مجموعة من القيم الأخلاقية
كالتعاون والتفاني والإخلاص والعلم والمعرفة، ونبد التقاليد والأعراف القديمة.
الشيء الذي ساعد في تطور اليابان نحو الحداثة.
-
الدور
الذي لعبته المقاولات العائلية التجارية اليابانية المعروفة باسم
"الزايباتسو"، حيث استفادت من دعم الدولة لتساهم بدورها في تسريع وثيرة
النمو الاقتصادي الياباني.
–III وضعية
ميزان القوى داخل العالم مع بروز الولايات المتحدة الأمريكية
واليابان:
1- على المستوى الاقتصادي
مع بداية القرن 20م ارتفعت نسبة مساهمة الولايات المتحدة الامريكية واليابان
في الإنتاج الصناعي العالمي، حيث احتلت أمريكا المرتبة الأولى، وجاءت اليابان في
المرتبة الرابعة. اما على مستوى نسبة المساهمة في الاستثمارات العالمية، فاحتلت
الولايات المتحدة الامريكية المرتبة الرابعة عالميا خلال نفس الفترة. كما تحولت
الولايات المتحدة واليابان إلى أقطاب اقتصادية مهيمنة على الصعيد العالمي.
2- على مستوى الهيمنة الاستعمارية
أ-
بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية
كانت الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن 19م تدعو إلى مبدأ عدم التدخل
في شؤون الدول الأخرى، ورفعت شعار أمريكا للأمريكيين. لكن في نهاية القرن 19م
وبداية القرن 20م تغير شعار هذا البلد نحو اتباع سياسة التدخل في شؤون الدول
الأخرى، اعتمادا على الوسائل التالية:
-
سياسة
العصا الغليظة: أي التدخل السياسي والعسكري للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة
الامريكية في العالم.
-
دبلوماسية
الدولار: أي توظيف الأموال لبسط سيطرتها على مجموعة من المناطق.
-
سياسة
الباب المفتوح: وتعني اعتماد حرية المبادلات التجارية للهيمنة على الأسواق وتصريف
فائض الإنتاج.
وبالتالي تحولت الولايات المتحدة
الامريكية إلى دولة إمبريالية، استعمارية وسيطرت على مجموعة من المناطق منها:
السيطرة على بورتوريكو وغزو كوبا وبانما والدومنيكان والمكسيك...
ب-
بالنسبة لليابان
أدى التطور الصناعي اليباني إلى تحقيقها
لارباح رأسمالية كبيرة، الشيء الذي ولد لديها أطماع امبريالية في الشرق الآسيوي
للهيمنة والسيطرة على هذه المناطق. وكان الدافع الأساسي هو منافسة القوى
الامبريالية الأوروبية والامريكية ( الامبريالية البيضاء). نتج عن هذا احتلال
اليابان مجموعة من المناطق منها: إقليم منشوريا (الغنية بالفحم والحديد)، وفورموزا
وجزر سخالين وكوريا وجزر ريو كيو وبور آرثر...
خاتمة
مع ظهور البلدان الرأسمالية الجديدة اشتد
التنافس الاستعماري. الشيء الذي قاد العالم إلى الحرب العالمية الأولى.