التحولات الاقتصادية والمالية المعززة للنظام الرأسمالي في أوربا
تمهيد
إشكالي:
شهد العالم الرأسمالي في القرن 19م تحولات عميقة شملت المجالات الاقتصادية
والاجتماعية والفكرية، بفعل عومل مختلفة. وساهمت هذه التحولات في تعزيز
الديموقراطية بهذه البلدان.
ü ما مظاهر
التحولات الاقتصادية والمالية المعززة للنظام الرأسمالي؟
ü ما هي مظاهر
التحولات الاجتماعية والفكرية في العالم خلال هذه الفترة؟
ü وما العوامل
المفسرة لها؟
I- مظاهر التحولات الاقتصادية
والمالية في العالم الرأسمالي خلال 19م والعوامل المفسرة لها:
1- مظاهر
التحولات الاقتصادية والمالية في العالم الرأسمالي خلال 19م
أ-
في المجال الصناعي
تتجلى مظاهر التحولات في القطاع الصناعي في:
-
ظهور ثورات صناعية في أوربا (ثلاث ثورات)، تم
خلالها الانتقال إلى استعمال مصادر الطاقة الجديدة كالبترول، وازدهار فروع صناعية
كالنسيج والادوات المنزلية والصناعات الميكانيكية والصلب والفولاذ...
-
تضاعف كمية الإنتاج الصناعي، حيث تضاعفت كمية
إنتاج الصلب في النصف الثاني للقرن 19م.
-
ارتفاع نسبة مساهمة بعض البلدان الصناعية
الجديدة في الإنتاج الصناعي العالمي، خاصة الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا، في
الوقت الذي شهدت فيه البلدان الأوربية القديمة التصنيع تراجعا في نسبة مساهمتها.
-
ظهور وازدهار العديد من المدن الصناعية الكبرى
في أوربا كمدينة مانشيستر...
ب-
في المجال الفلاحي
شهدت الفلاحة الأوربية تحولات عميقة نقلتها من الفلاحة التقليدية إلى
الفلاحة العصرية العلمية. كما تتميز الفلاحة أيضا باعتمادها على التقنيات الحديثة
كاستخدام الآلات العصرية (المكننة) في عملية الحرث وتصريف المياه وتوظيف الطاقة
البخارية والسلالات الجيدة من المواشي.
ومن المظاهر الأخرى لتطور وازدهار القطاع
الفلاحي نذكر:
ü تنوع الإنتاج
الفلاحي وارتفاع مردودية.
ü ظهور مقاولات
فلاحية كبرى.
ü فلاحة رأسمالية
موجهة لتصدير ولديها علاقات تكامل مع الصناعة والتجارة.
ü تعويض نظام
استراحة الأرض بنظام التناوب الزراعي.
ü ظهور التخصص
الفلاحي.
ج- في المجال التجاري
§
بالنسبة للتجارة الخارجية
عرفت
التجارة الخارجية تقدم كبير وحركية نشيطة وتوسع المبادلات العالمية، بالإضافة إلى
ظهور أسواق عالمية ساعد على ازدهارها اعتماد نظام التبادل الحر. الشيء الذي أدى إلى
اشتداد التنافس بين البلدان الأوربية لتوسيع مناطق نفوذها في العالم.
§
بالنسبة للتجارة الداخلية
سجلت بدورا ازدهارا كبيرا تجلى في ظهور المتاجر الكبرى، كمتجر " Le bon
Marché "
و " متجر اللوفر " وطرق للبيع بالتقسيط (الأسعار المحددة والمسجلة
والإشهار).
2- العوامل
المفسرة للتحولات الاقتصادية والمالية خلال القرن 19 م
أ- دور التقدم التقني
والعلمي في هذه التحولات
ساهمت عدة
عوامل في حدوث تحولات اقتصادية عميقة منها:
-
تقدم العلوم وازدهارها وتعدد تطبيقاتها في
الصناعة، ومن بين هذه العلوم علم الكيمياء الذي شهد تقدما كبيرا وتعددت تطبيقاته
في الصناعة، بل أصبح عدد من الكيميائيين يديرون عدد من المصانع.
-
ظهور عدة اختراعات علمية وتقنية، كالمحرك
الانفجاري، المطاط، الطائرة البخارية، الهاتف، آلة الخياطة...
-
ابتكار بيسمير لطريقة لصنع الفولاذ من خلال
اختراع محول بسمير الذي يعتمد على:
·
استعمال الفولاذ الرخيص الثمن عوض الحديد
السويدي المرتفع.
·
تقليص مدة الإنتاج الى 25 و30 دقيقة عرض 10
أيام و10 ليالي.
-
تزايد انتشار الآلة البخارية في البلدان
الأوربية في النصف الثاني من القرن 19م.
ب-دور العوامل التنظيمية
في هذه التحولات
نهج البلدان
الرأسمالية للنظام الاقتصادي الليبرالي المبني على الحرية: حرية الإنتاج، حرية
المنافسة وحرية الملكية، ويتميز هذا النظام بالتجديد المتواصل للتقنيات والاساليب،
والهدف النهائي هو الحصول على الربح.
-
ظهور ظاهرة التركيز الرأسمالي، الشيء الذي أدى إلى ميلاد
شركات عملاقة احتكارية تحمل اسماء مختلفة (تروستات، كونغلوميرا والهولدينغ) تتحكم
في الأسعار وتهيمن على السوق.
-
ظهور المصنع العصري الذي يتميز بتوزيع تخصصي للمهام،
وفرض وثيرة جديدة للعمل ويهتم بأساليب التنظيم كأسلوب العمل (المتسلسل) والأدوات
(المكننة) والسلامة المهنية للعمال.
ج- دور ثورة
المواصلات في التحولات الاقتصادية خلال القرن 19م:
· بالنسبة
للسكك الحديدية
أدت صناعة
السكك الحديدية إلى ازدهار وثورة في الاقتصاد الأوربي، حيث ساهمت هذه الوسيلة في:
v
تغذية وسائل المواصلات الأخرى من الناحية
التجارية.
v
وفرت للمسافرين والبضائع السرعة والسهولة
التي لم تكن تعرفها من قبل.
v
احداث بناءات ضخمة في مختلف الأماكن.
v
التغلب على العقبات الطبيعية التي لم يكن
بإمكان الانسان التغلب عليها من قبل.
v
توسع كبير في شبكة الخطوط السكك الحديدية في
البلدان الرأسمالية في أواخر القرن 19م.
· بالنسبة
للنقل البحري
سجل نموا سريعا من خلال ظهور خطوط النقل
البحرية منتظمة، وظهور السفن البخارية، بالإضافة إلى سهولة التنقل والسفر إلى
الولايات المتحدة الأمريكية، ووجود شركات تربط بين مختلف الموانئ العالمية
كليفربول، لوهافر وهامبورغ.
3- دور بعض الفاعلين الجدد في تنشيط الرأسمالية خلال القرن 19م
ü
دور الشركات المجهولة الاسم:
هي نوع من شركات المساهمة التي لعبت دورا
حيويا في تنشيط الاقتصاد الرأسمالي، بفعل الثروات التي تمتلكها، لذلك استطاعت أن
تبني خطوط السكك الحديدية والمؤسسات العصرية.
ü المقاولات
الكبرى:
ظهرت هذه المقاولات بفعل الاندماج بين
مجموعة من المقاولات التي لها نفس التخصص لأسباب اقتصادية أو عائلية (علاقة
المصاهرة التي قام بها أوجين شنيدر مع عائلة بورجوازية). مكن هذا الاندماج
المقاولات من التوفر على قدرات مالية هائلة جعلتها توسع أنشطتها لتشمل عالم
الأعمال والمال والسياسة.
ü الابناك:
أصبحت تلعب دورا كبيرا في ازدهار الرأسمالية،
حيث توظف أموال هائلة في الصناعات المزدهرة، وأصبحت تستثمر في قطاعات أخرى وصناعات
أخرى، وتتحكم تدريجيا في رؤوس الأموال التي لم تعد بيد رجال الصناعة.
II-
تعرف المنطق الداخلي للرأسمالية
الأوربية وحدود ازدهارها خلال القرن 19م
1- تعرف المنطق الداخلي للرأسمالية الأوروبية في القرن 19 م
و مطلع القرن 20م
ساهمت
الثورة الفلاحية في حدوث ازدهار صناعي وتزايد الطلب على المعدات والأدوات
الفلاحية. الشيء الذي ساهم في ارتفاع المردود الفلاحي وتحسن ظروف التغذية. وأدى
ذلك إلى ارتفاع كبير في الولادات وانخفاض نسبة الوفيات وبالتالي حدوث انفجار
ديمغرافي في اوربا، وأصبحت اليد العاملة وفيرة وتزايدت السوق الاستهلاكية. وقد
ساهم تبني النهج الاقتصادي الليبرالي وظهور التركيز الرأسمالي بالإضافة إلى التقدم
التقني في نجاح هذه الثورات(الثورة الفلاحية، الثورة الديموغرافية والثورة
الصناعية).
2- حدود ازدهار الرأسمالية الأوروبية
تتجلى حدود ازدهار
الرأسمالية الاوربية في تباين استفادة الدول الاوربية من التحولات الاقتصادية
والمالية، حيث اعتبر انجلترا و
فرنسا و ألمانيا و بلجيكا الأكثر استفادة من هذه التحولات، وفي المقابل كانت حركة
التصنيع ضعيفة في اسبانيا و البرتغال و أوروبا الشرقية.
ويتميز النظام الرأسمالي بتعاقب الأزمات
الدورية، حيث تأتي بعد كل فترة ازدهار مرحلة انكماش أو أزمة، واعتبرت هذه الخاصية
نقطة ضعف كبير في النظام الرأسمالي. لهذا ظهرت عدة أزمات اقتصادية في اوربا خلال
القرن 19 بفعل حدوث فائض الإنتاج الناتج عن كثرة العرض وقلة الطلب، فادى ذلك إلى
انخفاض الأسعار والارباح، وتسريح العمال، فتزايدت البطالة وانهارت الأجور، فلجأت
الدولة الاوربية إلى تبني سياسة الحمائية.
تباين مساهمة الدول الاوربية في الإنتاج الصناعي
العالمي، حيث تراجعت مساهمة الدول القديمة (فرنسا وانجلترا) وارتفعت مساهمة الدول
الجديدة (المانيا، إيطاليا...) .
خاتمــــة :
ازدهت أوربا
اقتصاديا وانعكست هذه التحولات على الجوانب
الديمغرافية و الاجتماعية و الفكرية .