التطورات السياسية الكبرى بأوربا
خلال القرن 19م
مقدمة :
تميز القرن 19 بأوروبا بحدوث تطورات سياسية هامة، ساهمت
فيها العديد من العوامل، وأدت إلى تعزيز أساليب الديموقراطية في أوربا.
- ما التطورات التي أعقبت مؤتمر فيينا؟ و ماهي
ردود الفعل الأوربية ضد مقررات مؤتمر فيينا؟ و كيف تمت الوحدتان الإيطالية و
الألمانية ؟
و ما هي أساليب تعزيز الديمقراطية و المواطنة في أوروبا
خلال القرن 19م؟
I- التطورات
السياسية الكبرى التي أعقبت مؤتمر فيينا خلال النصف الأول من القرن 19م
1- مؤتمر
فيينا لسنة 1815م
مهدت
عدة ظروف لعقد مؤتمر فيينا في الفترة ما بين شتنبر 1814م و يونيو 1815م منها:
التوسعات التي قام بها نابوليون بونابرت في الفترة
الممتدة ما بين 1799م و1814م، حيث توسعت فرنسا على حساب الدول الأوروبية المجاورة،
فتحالفت عسكريا كل من الإمبراطورية النمساوية المجرية وبريطانيا وروسيا القيصر
وبروسيا ضد فرنسا. واستطاع هذا التحالف الإطاحة بحكم نابليون.
مقررات مؤتمر فيينا: تمثلت في المبادئ الآتية:
- مبدأ الشرعية: أي إعادة الأنظمة التقليدية التي كانت
سائدة قبل الثورة الفرنسية إلى الحكم في أوربا.
- مبدأ التوازن الأوروبي: إعادة فرنسا إلى حدودها
الدولية مقابل توسع الدول المنتصرة عليها.
-التحالف المحافظ أو الحلف المقدس: وتألف من أربع دول
هي: روسيا – بروسيا – النمسا و بريطانيا.
أدى مؤتمر فيينا إلى حدوث تغيرات في الخريطة السياسية
لأوربا، حيث اختفت الإمبراطوريات التقليدية (إمبراطورية نابوليون والإمبراطورية
النمساوية)، وظهرت ممالك ودول جديدة.
2-
ردود الفعل التي أثارتها مقررات مؤتمر فيينا
أ-
ثورات 1815-1831م (المرحلة الأولى)
التواريخ |
البلدان |
طبيعة الحركة الثورية |
نوعها |
مصيرها |
1817 |
ألمانيا |
انتفاضة طلابية نادت بالحد من الملكية المطلقة ومنح دستور
للبلاد |
ليبرالية |
القمع العسكري |
1820 |
ايطاليا |
انتفاضة جمعية الكاربوناري ضد النظام
القديم وضد الاحتلال النمساوي |
قومية وليبرالية |
القمع على يد الجيش النمساوي |
1820 |
اسبانيا |
انتفاضة الجيش ومطالبته بالدستور |
ليبرالية |
القمع على يد الجيش الفرنسي |
1829 |
اليونان |
ثورة قومية تحريرية ضد النظام العثماني ساندتها فرنسا وبروسيا
وبريطانيا |
قومية |
استقلال اليونان على التاج العثماني |
1830 |
فرنسا |
ثورة بورجوازية ليبرالية ضد الملك شارل العاشر الذي انحاز
للمحافظين |
ليبرالية |
نجاح تعرض للإجهاض بعد تواطؤ البورجوازية الكبرى مع الملك الجديد
لويس فليب |
1830 |
بلجيكا |
ثورة قومية تحريرية ضد الهيمنة الهولندية |
قومية |
استقلال بلجيكا والتزامها بالحياد |
1831 |
بولونيا |
ثورة قومية تحريرية ضد الهيمنة الروسية |
قومية |
القمع على يد الجيش القيصري |
نستنتج أن معظم ثورات 1815-1831م
باءت بالفشل، وتعرضت للقمع العسكري. باستثناء ثورتي اليونان وبلجيكا اللتان نجحتا
في تحقيق استقلالهما.
ب- ثورات 1848م (ربيع الشعوب)
انطلقت
ثورات أوربا لسنة 1848 من باريس (فرنسا) إلى روما وفيينا. ومن هذه الأخيرة امتدت
إلى شمال إيطاليا وألمانيا وإلى القوميات الخاضعة للحكم النمساوي.
·
عرفت باريس سنة 1848 تورثين هما:
- ثورة
فبراير: في ظل الاستبداد السياسي والأزمة الاقتصادية والاجتماعية اندلعت هذه
الثورة التي انتهت بسقوط حكم الملك لويس فليب، وإنشاء الجمهورية الثانية التي
اتخذت تدابير ديمقراطية واقتصادية واجتماعية
- ثورة
يونيو: تحت ضغط البورجوازية، أغلقت الدولة المعامل التابعة لها، فثار العمال
واستعمل النظام البورجوازي الحاكم بقيادة الجنرال كافينياك وسائل القمع لإخماد هذه
الثورة.
امتدت
الثورة إلى فيينا فتمت الإطاحة بحكم المستشار النمساوي الاستبدادي مترنيخ. وصوت
الهنغاريون لصالح إبادة النظام القديم وطالبوا بالمساوات أمام القانون. كما طالب
التشيكيون بالمساواة بينهم وبين الألمان...
II- دراسة
تجربتين أوربيتين نجحتا في تحقيق وحدتيهما في أواخر القرن 19م
1- دراسة التجربة الإيطالية في
تحقيق الدولة القومية الموحدة
شهدت إيطاليا قبل الوحدة انقساما وتفككا سياسيا، حيث انقسمت إلى دويلات
مستقلة، لا توجد بينها روابط، وليس لها علم وطني ولا اسم سياسي، ولا ميثاق مشترك أو
سوق موحدة مشتركة، ومن هذه الدويلات نذكر: نابولي، توسكانيا، لومبارديا،
البندقية...رغم امتلاكها للمقومات التالية:
ü المقومات
اللغوية: وحدة اللغة
الإيطالية.
ü المقومات
الدينية: وحدة الدين
المسيحي الكاثوليكي.
ü
المقومات الاجتماعية: وحدة التقاليد والأعراف المشتركة، بالإضافة
إلى وجود طبقة برجوازية غنية.
ü المقومات
السياسية: وجود دويلة
قوية سياسيا واقتصاديا تعرف باسم البيمونت سردينيا، بالإضافة إلى وجود زعيم سياسي
قوي يعرف باسم كافور.
ü المقومات
الاقتصادية: تمتع مملكة البيمونت سردينيا بقوة اقتصادية
مهمة.
اعتمد كافور في تحقيق الوحدة الإيطالية على التحالف مع فرنسا وبروسيا ضد
النمسا و على الاستفتاءات الشعبية المؤيدة للوحدة و على حملة القائد العسكري
غاريبالدي (أسلوب سلمي سياسي وعسكري في نفس الوقت).
v مراحل تحقيق
الوحدة الإيطالية:
تحققت الوحدة الإيطالية عبر مراحل امتدت بين
سنتي (1859-
المرحلة
الأولى: تم فيها ضم منطقة لومبارديا سنة 1859م.
المرحلة
الثانية: انضمام بارما ومودينا وتسكانيا بعد استفتاءات شعبية، ومملكة الصقليتين بعد
حملة غاليباردي سنة 1860م.
المرحلة
الثالثة: انضمام البندقية سنة 1866م.
المرحلة
الرابعة: انضمام روما سنة 1870م.
2- دراسة التجربة الألمانية في
تحقيق الدولة الوطنية الموحدة
كانت ألمانيا إلى حدود أواسط القرن 19م منقسمة
إلى عدة دويلات بعضها كان خاضعا للنفوذ النمساوي. وقد ساعدت عدة عوامل أو مقومات
في نجاح الوحدة الألمانية منها:
مقومات
الوحدة الألمانية:
ü المقومات
السياسية: تتجلى في
وجود دويلة قوية اقتصاديا وسياسيا، حافظت على دستورها بعد فشل ثورات 1848م، ووجود
زعيم سياسي قوي يعرف باسم بيسمارك، تبنى مشروع الوحدة وتزعمه.
ü المقومات
الاقتصادية: قوة وازدهار بروسيا صناعيا، حيث تحتكر 68%
من إنتاج الفحم و90%
من إنتاج الصلب و65% من مواد الصناعة الثقيلة و50% من النسيج على المستوى الألماني، بالإضافة
إلى استفادتها من اتفاقية التبادل الحر مع غالبية الإمارات الألمانية
(الزولفرينغ).
ü المقومات
الاجتماعية: تتمثل في وجود طبقة بورجوازية غنية مكونة من رجال البنوك والصناعة،
والداعمة لمشروع الوحدة.
اتبع بسمارك، في تحقيق الوحدة، أسلوب الحديد
و الدم، أي الاعتماد على القوة العسكرية و شن مجموعة من الحروب.
* مراحل
الوحدة الألمانية:
استغرقت الوحدة الألمانية 6 سنوات، ومرت من
مرحلتين كبيرتين هما:
المرحلة الأولى 1866-1870م: خاضت بروسيا عدة
معارك ضد الدول المجاورة خرجت منها منتصرة كانتصارها على النمسا في معركة "
سادوفا " سنة
المرحلة الثانية 1870-1871م: تم خلالها إعلان
الحرب على فرنسا سنة 1870م والانتصار عليها في معركة سيدان، وانضمت العديد من
الدويلات الجنوبية إلى مشروع الوحدة.
نجاح بروسيا في تحقيق وحدتها بالاعتماد على
الأسلوب العسكري (الحديد والدم).
3-
المقارنة بين التجربتين الإيطالية
والألمانية واستخلاص أوجه الشبه والإخلاف
عناصر المقارنة |
عوامل قيام مشروع الوحدة |
مراحل تحقيق الوحدة |
الأساليب المستعملة |
أوجه
الشبه |
تتشابه التجربتين في المقومات السياسية، فكلاهما تزعمه
زعيم سياسي مع وجود دويلة قوية. كلاهما استند إلى الطبقة البورجوازية الغنية. |
كلا التجربتين مرت من مراحل لتحقيق وحدتيهما السياسية. |
كلاهما اعتمد الأسلوب العسكري. |
أوجه
الاختلاف |
تختلف التجربتين في طبيعة الدولة التي تم تكوينها، فهي
دولة قومية في إيطاليا ودولة وطنية في ألمانيا (إخلاف الأنظمة السياسية) الاختلاف في الإمكانات الاقتصادية لكل دولة (اقتصاديا) اجتماعيا: اختلاف العادات والتقاليد والأعراف. |
اختلاف المدة الزمنية التي استغرقتها الوحدتين: 11سنة
بالنسبة للتجربة الإيطالية و6 سنوات بالنسبة للتجربة الألمانية. الاختلاف في عدد المراحل: أربعة مراحل بالنسبة لإيطاليا
ومرحلتين بالنسبة لألمانيا. |
اعتمدت التجربة الإيطالية على الأسلوب السياسي
والعسكري، بينما ركزت التجربة الألماني على الأسلوب العسكري فقط. |
III- تطور
أساليب تعزيز الديمقراطية والمواطنة بأوروبا خلال القرن 19م
1- أهمية الاقتراع العام المباشر في تعزيز الديمقراطية بأوروبا
خلال القرن 19م
يعتبر الاقتراع العام المباشر الأسلوب الأمثل للتعبير عن الديموقراطية
والمواطنة، حيث تتيح للشعب الحق والحرية في اختيار من يمثله وينوب عنه، فهو إدن
التعبير الأمثل والشرعي عن إرادة الأمة. وقد اختلفت تواريخ إقرار الاقتراع العام
المباشر في أوربا بدءا بفرنسا سنة 1448م والدنمارك سنة 1849م وصولا إلى إيطاليا سنة
1912م.
2- جوانب أخرى لتدعيم الديمقراطية والمواطنة بأوروبا
خلال القرن 19م
من بين المؤشرات الأخرى الدالة على انتعاش الحياة الديموقراطية بأوروبا
خلال القرن 19م ومطلع القرن 20م نذكر منها:
- تنظيم المشهد السياسي الأوربي من طرف الأحزاب
السياسية والجمعيات، كعصبة حقوق الإنسان بفرنسا، التي تدافع عن حقوق الإنسان. كما
أن للمدارس وظيفة جديدة تتمثل في تكوين المواطن وزرع قيم الديموقراطية.
- انتشار الصحف والجرائد والمجلات دليل على
انتعاش الحياة الديموقراطية في أوربا.
-مساهمة الصحافة في تكوين الرأي العام
الأوربي، وذلك بالمساهمة في انتقاد الحكومات بكل حرية. لكن في إطار القانون.
خاتمـــــــة:
انتهت اغلب الثورات الليبرالية والقومية
التي شهدتها أوروبا بالفشل، في نفس الوقت تحققت الوحدتان الإيطالية والألمانية وتعززت
أساليب الديمقراطية والمواطنة، وواكبت ذلك تحولات اقتصادية ومالية وفكرية واجتماعية
عميقة.