الصين: قوة اقتصادية صاعدة
تمهيد إشكالي:
تبلغ مساحة الصين 9 596 961 كلم مربع، تحتل
المرتبة الثالثة عالميا، ويقدر عدد سكانها ب 1.4 مليار نسمة سنة 2017، وهي عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وتعد
قوة اقتصادية مهمة على الصعيد العالمي. تحتل المرتبة الثانية عالميا
من حيث الناتج الداخلي الخام. إلا أنها تواجه العديد من التحديات والمشاكل.
فما هي مظاهر القوة الاقتصادية الصينية؟ وما العوامل المفسرة لها؟
وأهم
التحديات التي تواجهها؟
I-
وصف مظاهر القوة الاقتصادية للصين:
1- وصف خصائص الفلاحة الصينية و مكانتها العالمية:
·
تتميز الفلاحة الصينية بمجموعة من
الخصائص أهمها:
·
إنتاج زراعي ضخم و متنوع ويحتل مراتب
متقدمة عالميا: تنتج الصين منتجات فلاحية مختلفة أهمها الحبوب
كالأرز (المرتبة 1 عالميا)، وتتركز زراعته في الجنوب الشرقي، ويتميز
بارتفاع المرد ودية، والقمح (المرتبة 1
عالميا) الذي يتركز انتاجه خصوصا في أقليم منشوريا، والذرة (المرتبة
2 عالميا) في منشوريا، والخضر كالبطاطس (المرتبة
1 عالميا) وتنتج بالقرب من المدن الكبرى،
بالإضافة إلى الفواكه
في الصين الجنوبية، وتنتج المزروعات الصناعية كالشمندر السكري
) المرتبة 7
عالميا ( في الشمال، وقصب السكر(المرتبة
3 عالميا)،
والفول السوداني (المرتبة 2 عالميا) في الصين الجنوبية، والصوجا في
منشوريا، والقطن(المرتبة 1 عالميا) في الجنوب.
·
انتاج حيواني جد متقدم ويحتل المراتب الأولى
عالميا: الأبقار م4+ الأغنام والخنازير وانتاج
الصيد البحري (المرتبة
1 عالميا).
2- خصائص الصناعة الصينية ومكانتها العالمية:
يتميز الانتاج الصناعي الصيني بخصائص
عديدة أهمها:
v
تنوع الإنتاج
الصناعي الصيني، وضخامته و احتلال
المراتب الأولى على الصعيد العالمي في مجموعة من القطاعات:
-
صناعة
النسيج: تحتل مراتب أولى
في النسيج القطني والحرير(1)، وتصدر جزءا
هاما من الإنتاج. وفي
إنتاج النسيج الاصطناعي.
-
صناعة الصلب:
تحتل المرتبة الأولى عالميا، وتوجد في المدن الشرقية.
-
الصناعات
الميكانيكية: توجد في عدة مدن كصناعة الآلات والسيارات
والشاحنات التي تحتل المرتبة 6عالميا في
انتاج السيارات وتحتل المرتبة الثالثة عالميا في صناعة السفن.
-
الصناعات
الكهربائية والإلكترونية: شهدت تطورا وخاصة في التجهيزات
المنزلية . وتعرف تطورا
في الصناعة عالية التكنولوجيا (المرتبة
الاولى في انتاج أجهزة التلفاز وألعاب الأطفال...).
-
الصناعات
الكيماوية: تحتل المرتبة الأولى عالميا في صناعة الأسمدة، والأولى في صناعة الإسمنت.
-
تطور الإنتاج الصناعي: تهتم
المقاولات الصناعية الصينية بالصناعات الحديثة المعتمدة على التكنولوجيا الحديثة
وخاصة في مجال صناعة الإلكترونيك.
3- خصائص قوة التجارة
الصينية ومكانتها العالمية :
v بنية التجارة الخارجية:
تتكون معظم صادرات الصين من المواد المصنعة ونصف مصنعة والآلات والمعدات
الميكانيكية والكهربائية والالكترونية (95,5
%) ثم المواد الفلاحية
والمعدنية ،وتستورد منتجات الصناعة التجهيزية وعالية التكنولوجيا (87,7 %)
ومصادر الطاقة.
v
يعرف الميزان
التجاري الصيني منذ بداية التسعينات فائضا ماليا مهما.
ارتفعت
قيمة الصادرات مقارنة مع قيمة الواردات مع بداية التسعينات،ففي سنة 2002 مثلا بلغت
قيمة الصادرات حوالي 350 مليار دولار بينما لم تتعدى قيمة الواردات 300 مليار
دولار.
v
تتم المبادلات التجارية مع القوى
الاقتصادية العظمى كاليابان والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا
الجنوبية وباقي مناطق العالم.
v
تساهم الصين بنسبة مهمة في التجارة
الدولية ففي سنة 2002 بلغت حوالي 4% .
II-
العوامل المفسرة لقوة الاقتصاد الصيني:
1-
دور الأسس الطبيعية في قوة الاقتصاد الصيني:
v
تبلغ مساحة الصين 9 596 961كلم مربع، وتتضمن سهول
وأحواض شاسعة وخصبة منتشرة في القسم الشرقي كسهل منشوريا والسهل الكبير وتخترقها
شبكة مائية مهمة ،كنهر كسيانغ، نهر يانغ زيانغ و نهر هوانغ هوا، كما
يسود بها المناخ المعتدل والمداري الممطر مما يقدم مؤهلات ايجابية للنشاط الفلاحي
بالصين.
v
كما تختزن الأرض الصينية ثروات معدنية: كالحديد، الزنك،
الرصاص (م.1 عالميا)، الفوسفاط (م.3عالميا)...، وطاقية مهمة: كالفحم
(م.1عالميا)، البترول
(م.6عالميا)، الغاز
الطبيعي و الطاقة الكهرومائية ( م.2 عالميا)... تساهم بشكل
كبير في نمو
الصناعة الصينية.
2- دور
المقومات البشرية في بناء القوة الاقتصادية للصين:
v
يبلغ
عدد سكان الصين في الوقت الراهن حوالي 1,5مليار نسمة، يمثل السكان النشيطين
حوالي 71%، ويصل أمد الحياة إلى 72
سنة، وتتمركز الكثافة المرتفعة بالقسم الشرقي من البلاد.
v
تقدم
هذه الثروة السكانية، اليد العاملة الخبيرة ذات مستوى تعليمي عالي،
والطاقات البشرية المؤهلة للأنشطة الاقتصادية الصينية، فضلا عن كونها سوقا
استهلاكية واسعة.
3- دور العوامل
التاريخية و التنظيمية في بناء القوة الاقتصادية للصين:
v مر التنظيم الاقتصادي والاجتماعي
الصيني بمرحلتين بارزتين:
- المرحلة الأولى: هي مرحلة التنظيم الاشتراكي بقيادة ماوتسي تونغ ، امتدت من 1949
إلى وفاته سنة 1976 ، ومن أهم السياسات التي اعتمدها لتحقيق النهضة الاقتصادية
والاجتماعية الصينية:
سياسة التأميم 1949 -1952 : قضت على أشكال علاقات الإنتاج الإقطاعية
والرأسمالية، وذلك بتوزيع الأراضي على الفلاحين.
سياسة التخطيط المركزي
1953-1962: تمثلت في إنشاء المراكز الصناعية في أنحاء
مختلفة من البلاد مع إعطاء الأولوية للصناعات الأساسية والتجهيزية، تنظيم الفلاحة بخلق
تعاونيات وضيعات تابعة للدولة سميت بالكومونات الشعبية .
سياسة القفزة الكبرى إلى
الأمام خلال الستينيات من القرن 20م: لتحقيق الإقلاع الاقتصادي وذلك بانجاز
الأشغال الكبرى كالسدود والطرق والصناعات الأساسية وذلك بالاعتماد على الموارد
البشرية الوطنية.
سياسة المشي على قدمين 1963- 1976م: حيث تم التركيز على تطوير وتنمية القطاعين الأساسيين الفلاحي والصناعي. وتحويل مركز ثقل التنمية إلى غرب الصين.
- المرحلة الثانية: هي مرحلة الانفتاح على
اقتصاد السوق وعلى العالم الرأسمالي انطلقت بعد وفاة ماوتسي تونغ، طبقت في عهد
دينغ كسياوبينغ منذ سنة 1978 ولا تزال مستمرة إلى الوقت الراهن، ومن أهم التطورات
التي حصلت:
v
في المجال الفلاحي: تفكيك الكومونات الشعبية
وتعويضها بالمستغلات العائلية وإقرار الملكية الخاصة، تراجع قطاع
الدولة على مستوى الإنتاج، وكذا تطبيق نظام مسؤولية التعاقد مع ربط المكافأة بحجم
المحصول المنتج.
v التخفيف من احتكار الدولة بالسماح بالملكية
الفردية في المجالين الصناعي والتجاري .
v التخلي عن سياسة التأميم
وتقديم حوافز وامتيازات للاستثمارات الأجنبية داخل الصين.
v الاستعانة بالخبرة الأجنبية
واستيراد التكنولوجيا الغربية.
v تشجيع المبادلات التجارية مع الخارج بتحرير
تجارة المنتجات الفلاحية، وتشجيع الصناعات الموجهة للتصدير،
و تحرير المنتوجات الفلاحية.
v إحداث المناطق الاقتصادية
الخاصة في السواحل الجنوبية الشرقية.
v الانضمام إلى صندوق النقد الدولي سنة 1980 والانضمام للمنظمة العالمية للتجارة في
2001.
- نتائج
سياسة الانفتاح: حققت الصين بفعل سياسة الانفتاح عدة نتائج أهمها:
ü
تدفق
الاستثمارات الأجنبية إلى الصين وقيامها بإحداث تغييرات بنيوية في القطاعات
الفلاحية والصناعية والتجارية و الخدماتية.
ü
تشجيعها للبحث العلمي والتقني وتوظيف
التكنولوجيا الحديثة في مجال الإنتاج على نطاق واسع.
ü
تزايد كمية ونوعية الإنتاجين الفلاحي والصناعي.
ü
نمو المبادلات التجارية مع الخارج حيث أصبحت
الصين ثالث مصدر عالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية وألماني.
ü
اكتساح المنتجات الصناعية الصينية للأسواق
العالمية وتميزها بالقدرة التنافسية والتجديد.
ü
تحسن الناتج الداخلي الخام يصل الى حوالي 137
مليار يوان- اليوانyuan =
عملة الصين.
ü
توفير
كثير من مناصب الشغل و
تحسن الدخل الفردي والمستوى المعيشي للسكان .
4-
دور العوامل التقنية و البنية التحتية للمواصلات في القوة الاقتصادية
للصين:
أ- دور العوامل العلمية والتقنية
ركزت الصين في السنوات الأخير على تطوير التكنولوجيا الحديثة، حيث راهنت
على هذا القطاع للهيمنة والتحكم وتصدر الاقتصاد العالمي، الشيء الذي أدى إلى بروز
العديد من الشركات التكنولوجية العملاقة (هواوي...). كما توظف الصين التقنيات
الحديثة في الانتاج الفلاحي والصناعي، كالمكننة والربوتات والأسمدة والمبيدات
والبذور المنتقات والسلالات الجيدة من الماشية، واستعمال أحدث التقنيات والاساليب
في السقي...
ب- دور البنيات التحتية
تتوفر الصين على بنيات تحتية مهمة جدا، مكونة شبكة طرقية جد مؤهلة وجيدة (
الطرق السريعة والسيارة والسكك الحديدية...) –خصوصا في الواجهة الشرقية- وعملها
على إحياء طريق الحرير، وشبكة جد متطورة من خطوط السكك الحديدة والمطارات الاضخم
على الصعيد العالمي، وموانئ مزدهة تعد الأكثر رواجا على الصعيد العالمي.
III-
التحديات التي يواجهها الاقتصاد الصيني:
1- بعض اكراهات الوسط الطبيعي و البيئي بالصين:
v
يتسبب التصنيع الكثيف في إحداث مشكل
التلوث، الأمطار الحمضية بالصين، استنزاف التربة بسبب الفلاحة الكثيفة، تقلص الأراضي الزراعية
والمجالات الخضراء بسبب التوسع العمراني والصناعي .
v
مشكل الفيضانات، خاصة في السهل الكبير، وتهديد
الأعاصير للأقاليم الجنوبية الشرقية. بالإضافة إلى مشكل الجفاف وزحف الرمال الذي
يهدد معظم المناطق الشمالية و الغربية من البلاد.
2- بعض التحديات السوسيو مجالية التي تواجه الصين:
v
المشكل البشري:
- يتجلى هذا المشكل في مستويين:الأول أن النمو السكاني مرتفع 1,5
مليار نسمة، والمستوى الثاني يتجلى في اتجاه المجتمع نحو الشيخوخة منذ أن طبقت سياسة
تحديد النسل (سياسة الطفل الواحد لكل أسرة) منذ سنة 1979 بتأخير سن الزواج
للذكور إلى 30 سنة والإناث 25 سنة، ينذر بقلة الفئة النشيطة في المستقبل.
وعوضت الصين سياسة الطفل
الواحد بسياسة جديدة سميت بسياسة الطفلين منذ 2015.
v المشاكل الاجتماعية:
وجود تفاوت في التنمية البشرية للسكان
بحيث تتأزم الوضعية الاقتصادية والاجتماعية: - الهجرة من البوادي إلى
المدن ، الأمية، البطالة، الفقر و الأمراض
خاصة في المناطق الداخلية الغربية والجنوبية وكذلك
بالبوادي، ذلك أن الظروف الاجتماعية الايجابية تتمركز بالشرق حيث تتمركز
الثروة الاقتصادية.
v
المشاكل المجالية:
تنقسم الصين إلى ثلاث مناطق أساسية : الغرب
الأقل نموا والداخل الفلاحي والساحل المصنع الضيق المساحة، يحتكر 85%
من الاستثمارات الأسيوية، 90% من التجارة
الخارجية و
%58 من
الإنتاج الاقتصادي.. .
3- بعض التحديات الاقتصادية بالصين:
ü التبعية للخارج لاستيراد المواد الأولية
الطاقية والمعدنية، ولتسويق المنتجات المصنعة.
ü
التأثر بالتقلبات المالية والأزمات السياسية
العالمية ( الازمة المالية
لسنة 2008 و تقلبات اسعار النفط...)
ü
ضعف شبكة المواصلات الداخلية.
ü
تمركز المناطق الاقتصادية الكبرى بالشرق في بكين
وشنغهاي وهونغ كونغ لأسباب طبيعية (التضاريس والمناخ) وبشرية (ارتفاع الكثافة السكانية في الشرق وقدم التعمير.
ü
المنافسة الأجنبية، خاصة من قبل اليابان و التنينات الاربع و دول
الاتحاد الاوربي و الولايات المتحدة الامريكية...
خاتمـــــة :
تعتبر الصين في الوقت الراهن قوة
سياسية واقتصادية هامة، أصبحت شركاتها ومنتجاتها تضايق القوى
العظمى كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي وهي من اكبر
الدول المرشحة لقيادة الاقتصاد العالمي في المستقبل...