الحركات الاستقلالية بالجزائر وتونس وليبيا
تمهيد إشكالي:
نشأت الحركة الوطنية ببلدان المغرب العربي
لمواجهة الاستعمار الفرنسي(الجزائر وتونس) والاستعمار الإيطالي(ليبيا)، وتمكنت من تحقيق الاستقلال بعد مراحل من المقاومة
السياسية والكفاح المسلح.
- فما
السياق التاريخي الذي نشأت فيه الحركات الوطنية بالجزائر وتونس وليبيا؟
- ما
برامجها و أساليب عملها؟
- وما
التطورات التي أدت إلى تحقيق استقلالها؟
I- ظروف نشأة الحركات الاستقلالية في
كل من الجزائر و تونس وليبيا:
1- ظروف نشأة الحركة الوطنية الجزائرية:
1- ظروف نشأة الحركة الوطنية الجزائرية:
احتلت فرنسا الجزائر سنة 1830، وحولتها إلى مستعمرة استيطانية، وشجعت على
هجرة الأوربيين إليها، وسهلت عليهم السيطرة على الأراضي بإصدار مجموعة من
القوانين(قانون الأهالي...)، وشجعت على تجنيس الجزائريين بالجنسية الفرنسية، وتم
تهميش الجزائريين ( حرمانهم من الترشح لمجلس المقاطعات و البلديات، منعتهم من
إصدار الصحف بالعربية، منع تكوين الأحزاب السياسية...)، وساهم ذلك في هجرة الآلاف
من الجزائريين إلى فرنسا.
وساهم الاستغلال الاستعماري للجزائر في تدهور وضعية الفلاحين والحرفيين
الجزائريين، ومعاناة الشعب من الحيف والتهميش، بالإضافة إلى فرض ضرائب ثقيلة على
الجزائريين، وتشغيل الفلاحين الجزائريين في الضيعات مقابل أجور ضعيفة، وحرمانهم من
حق الإضراب و التقاعد و التأمين، ونتج عن ذلك قيام بعض الوطنيين بتأسيس تنظيمات
سياسية والمطالبة بالمساواة بين الجزائريين والفرنسيين، ويعتبر الأمير خالد(حفيد
الأمير عبد القادر الجزائري)رائد الحركة الوطنية الجزائرية بتأسيسه(منظمة المنتخبين
المسلمين)سنة1919، إلى جانب مصالي الحاج الذي أسس جمعية نجم شمال إفريقيا سنة 1926م
وعبد الحميد ابن بادس الذي أسس جمعية علماء المسلمين في 5 ماي 1931م...
2-
ظروف نشأة الحركة
الوطنية التونسية:
خضعت تونس للحماية الفرنسية سنة1881، وشهدت تونس توافد المستوطنين
الأوربيين، وأصدرت فرنسا قوانين لنقل استغلال الأراضي إلى المعمرين، ومكنتهم من
الحصول على أخصب الاراضي، وتضررت الصناعات التقليدية التونسية وسيطرت الشركات
الاستعمارية على ثروات البلاد. وركز المستعمر في سياسته التعليمية على نشر اللغة
الفرنسية والتمييز والانتقاء بين أبناء التونسيين. كما قامت بقمع التونسيون
بالرصاص ومنعت صدور الصحف، وتعرض زعماء حركات الاحتجاج إلى الاعتقال و المحاكمة...
الشيء الذي ساهم
في بروز نخبة مثقفة تبنت النضال الوطني، و تنادي خاصّة بتعميم التعليم وتحديثه
وبحماية البضائع التونسية من المنافسة الأجنبية، وكونت أحزاب سياسية أهمها الحزب
الليبرالي الدستوري في 7 مارس 1920م.
وعجل الاستغلال
الاستعماري وتدهور الوضعية الاجتماعية للفلاحين والحرفيين والعمال بقيام الوطنيين
التونسيين بزعامة عبد العزيز الثعالبي
بتأسيس حزب(تونس الفتاة) سنة 1907 و الحزب الليبرالي الدستوري التونسي في 7 مارس
1920، والمطالبة بوضع دستور وإنجاز عدد من الإصلاحات.
خضعت ليبيا للاحتلال الإيطالي سنة1911، وأصدرت إيطاليا قوانين تسمح للسلطات
الاستعمارية بمنح الأراضي للإيطاليين،ولتسهيل استغلال البلاد. كما سيطرت على أجود
الأراضي بنهجها لعدة طرق منها:
- وضع جميع الأراضي غير
المستغلة بانتظام في يد الدولة.
- مصادرة ممتلكات المقاومين.
- سيطرة الدولة على جميع
الأراضي التي تراها ضرورية للمنفعة العامة.
- إرغام ملاك الأراضي على بيع
أراضيهم بأسعار منخفضة للدولة.
تزعمت الحركة السنوسية بقيادة عمر المختار ومحمد ادريس السنوسي... المقاومة
الليبية، وواجهت الاحتلال الإيطالي لمدة عشرين سنة.
II- المقارنة بين الدول الثلاث من حيث برامج الحركات الوطنية
والوسائل التي وظفتها لتحقيق أهدافها:
1- برامج الحركات الوطنية في البلدان الثلاث:
1- برامج الحركات الوطنية في البلدان الثلاث:
أ - برنامج الحركة الوطنية الجزائرية:
اعتمدت الحركة
الوطنية الجزائرية على مجموعة من التنظيمات السياسية لنشر الوعي في صفوف السكان
وإيصال مطالبها إلى المستعمر منها:
·
جمعية
نجم شمال إفريقيا: تأسست سنة 1926 بباريس،
يتزعمها مصالي الحاج، وضعت برنامج يتضمن مطالب إصلاحية كالمساواة بين الفرنسيين و
الجزائريين، فيما بعد طالبت بتحقيق الاستقلال، فمنعها الفرنسيون سنة 1936.
·
جمعية
علماء المسلمين: أسسها عبد الحميد بن باديس سنة 1931م،
لم يكن لها برنامج سياسي. لكنها كان لها دور كبير في توعية الجزائريين.
·
حزب
الشعب: أسسه مصالي الحاج بعد منع جمعية نجم شمال إفريقيا
سنة 1937، ثم عوضه سنة 1946 بحركة انتصار الحريات الديمقراطية، تكون داخله تيار
يدعو إلى العمل المسلح.
·
الاتحاد
الشعبي الجزائري: أسسه فرحات عباس سنة 1938، طالب
بالإصلاحات وبإدماج الجزائر بالدولة الفرنسية.
·
جبهة
التحرير الوطني: ظهرت سنة 1954 وتهدف إلى تحقيق الاستقلال
عبر المقاومة المسلحة.
ب- برنامج الحركة
الوطنية التونسية:
اعتمدت الحركة
الوطنية التونسية بدورها على مجموعة من التنظيمات السياسية لنشر الوعي في صفوف
السكان، وإيصال مطالبها إلى المستعمر منها:
·
الحزب
الليبرالي الدستوري: أسسه عبد العزيز الثعالبي
سنة 1920م، طالب في البداية بمنح التونسيين بعض الحقوق كوضع دستور لتونس ولو في ظل
الاحتلال الفرنسي.
·
الجامعة
العامة للعمال التونسيين: وهي أول نقابة تونسية
تأسست سنة 1922م، هدفها الأساسي هو نشر الوعي في صفوف العمال وتحسين ظروفهم الصحية
و المعيشية.
·
الحزب
الدستوري الجديد: تأسس سنة 1934م من طرف منشقين عن
الحزب الليبرالي الدستوري، و انتخب الحبيب بورقيبة كاتبا عاما، رفع مطالب إصلاحية
إلى سلطات الاستعمار الفرنسي من قبيل: تحسين ظروف عيش التونسيين في ظل الحماية...
بعد الحرب العالمية الثانية طالب الحزب باستقلال تونس على مراحل تبدأ بمنح البلاد
حكما ذاتيا.
ج- برنامج الحركة الوطنية الليبية:
اعتمدت ليبيا بدورها على مجموعة من
التنظيمات السياسية التي قاومت المستعمر
الإيطالي منها:
·
الحركة السنوسية: تأسست منذ القرن 19م من
قبل الزاوية السنوسية، قاومت العثمانيين ثم الاحتلال الايطالي إلى غاية الحرب
العالمية الأولى.
·
الحزب الوطني: تأسس بطرابلس سنة 1945م،
طالب باستقلال ليبيا ووحدتها.
·
المجلس الوطني لتحرير ليبيا: تأسس سنة 1947 بالقاهرة،
وركز على المطالبة بالاستقلال مع معارضة أي وجود أجنبي فوق أراضي ليبيا.
2- الوسائل التي استعملتها الحركات الاستقلالية في الدول
الثلاث لتحقيق أهدافها:
أ- بالنسبة للحركة الوطنية الجزائرية:
اعتمدت الحركة الوطنية الجزائرية على مجموعة من الوسائل لنشر الوعي وإيصال
رسالتها إلى الشعب الجزائري منها:
· عقد لقاءات و عبر الجرائد على رأسها جريدة
الشهاب.
· اللجوء إلى مقاطعة السلع الفرنسية و خوض إضرابات.
· لكن ابتداء من سنة 1954م، تغير نهج الحركة
الوطنية الجزائرية، حيث انتقلت إلى العمل المسلح، وتزامن ذلك مع تأسيس جبهة
التحرير الوطني.
ب- بالنسبة للحركة الوطنية
التونسية:
اعتمدت الحركة الوطنية التونسية على مجموعة من الوسائل لنشر الوعي وإيصال
رسالتها إلى الشعب التونسي منها:
·
قبل الحرب العالمية الثانية ركزت الأحزاب على المناشير و الصحف مثل ”صوت
تونس“ و ”العمل التونسي“ لنشر أفكارها، و بالاحتجاج و تنظيم المظاهرات.
·
خلال الخمسينيات( 1954م)، نهجت أسلوب
الكفاح المسلح عبر تكوين جيش التحرير التونسي، مع العمل على توظيف الصحف لإبراز
عدالة القضية التونسية في الخارج.
ج- بالنسبة
لليبيا:
كان الوضع الليبي مختلفا نوعا ما، حيث تأخر ظهور الأحزاب
السياسية فيها إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية. لذلك ظلت الوسيلة الأساسية التي
طغت على الحركة الاستقلالية في ليبيا هي المقاومة المسلحة بقيادة المجاهد عمر
المختار، الذي كبد الايطاليين خسائر فادحة أجبرتهم على التفاوض معه على أساس
الجلاء عن ليبيا، إلا أنها فشلت في نهاية المطاف. وبفعل التفوق العسكري الايطالي و
إرسال موسولوني لتعزيزات عسكرية مهمة قبل الحرب العالمية الثانية تمكنوا من
اعتقاله و إعدامه في شتنبر 1931م.
III-
ساهمت مجموعة من التطورات في استقلال الدول الثلاث:
1- ظروف حصول ليبيا على استقلالها:
1- ظروف حصول ليبيا على استقلالها:
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وضعت فرنسا و
انجلترا و ايطاليا مشروعا لتقسيم ليبيا سنة 1949م الى ثلاثة مناطق:
· منطقة برقة: تكون من نصيب
انجلترا.
· فزان: من نصيب فرنسا.
· طرابلس: من نصيب ايطاليا.
عرض هذا المشروع على أنظار هيئة الأمم
المتحدة، فقوبل بالرفض في ماي 1949م. وقد أثار هذا المشروع موجة من السخط و
الاستنكار في ليبيا، فاندلعت مظاهرات و تقرر الإضراب العام و العصيان المدني. لم
تهدا هذه الأحداث إلا بعد صدور قرار هيئة الأمم المتحدة برفض الاتفاق.
وفي قرار الجمعية العامة للأمم
المتحدة رقم 289 ، طالبت بضرورة تشكيل دولة ليبية مستقلة ذات سيادة في أسرع وقت
ممكن، ولا يتأخر عن فاتح يناير 1952م.
في 7 من أكتوبر 1951م أصدرت الجمعية الوطنية التأسيسية دستورا لليبيا نص
على: تنصيب محمد إدريس المهدي السنوسي
ملكا دستوريا على ليبيا، وعن تكوين دولة ديمقراطية مستقلة ذات سيادة، تسهر على
الوحدة القومية و الأمن و الاستقرار الداخلي
بليبيا، و تضمن وسائل الدفاع والعدالة و مبادئ الحرية و المساواة.
2- الأحداث التي أدت إلى حصول تونس على استقلالها:
نظرا للتطور الذي أحرزه الشعب التونسي معه
نخبته المثقفة. أعلنت فرنسا عن منح الحكم
الذاتي لتونس في 31 يوليوز 1954م، بموجبه نقلت سلطات الاستعمار الفرنسي بعض صلاحياتها
الحكم على الصعيد الداخلي إلى المؤسسات و الشخصيات التونسية ( الباي محمد
الأمين...).
لكن الحركة الوطنية التونسية سرعان ما عبرت عن رفضها للهيمنة الفرنسية
وطالبت صراحة باستقلال البلاد التونسية ونظمت الاحتجاجات و المظاهرات في مختلف
المناطق التونسية. أجبرت المستعمر الفرنسي على الدخول في مفاوضات الاستقلال بباريس
في 27 فبراير 1956م واعترفت فيها فرنسا ب:
·
كون
معاهدة باردو الموقعة بتاريخ 12 ماي 1881م لم تعد ملائمة لتنظيم العلاقات بين تونس
و فرنسا.
·
إلغاء اتفاقية الحكم
الذاتي بتاريخ 3 يونيو 1955م المتناقضة مع الوضع الجديد لتونس.
·
إشراف تونس على تسيير شؤونها
الخارجية و الأمن و الدفاع و تكوين جيش وطني تونسي.
في 20 مارس 1956م اعترفت
فرنسا نهائيا باستقلال تونس.
3- التطورات التي انتهت باستقلال الجزائر:
انشق مجموعة من الشباب
أبرزهم أحمد بنبلة والحسين أيت أحمد ومحمد بوضياف..عن حركة انتصار الحريات
الديمقراطية، وأسسوا جبهة التحرير الوطني الجزائري سنة1951، وأعلنت
بداية الكفاح المسلح في نونبر1954، ضحت خلالها الجزائر بمليون ونصف شهيد في الفترة
مابين 1نونبر 1954 و 19 مارس 1962م.
وستشكل جبهة التحرير الوطني حكومة مؤقتة
سنة1958 ترأسها فرحات عباس. وسينتج عن الكفاح المسلح قبول فرنسا إجراء المفاوضات(اتفاقية
إيفيان) في18مارس1962،وتم الاتفاق على إجراء استفتاء يوم 1شتنبر1962،أعلن
خلاله الشعب الجزائري حقهم في نيل الاستقلال،وتم تعيين أحمد بن بلة رئيسا للجزائر.
خاتمة عامة:
ساهمت عوامل مختلفة في
بروز الحركة الوطنية السياسية والمسلحة بالجزائر، و تونس، وليبيا، والمغرب، وقد
استفادت من ظروف دولية لتعلن مطالبتها بالاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية
ومنها:
·
تأكيد
الميثاق الأطلسي الموقع بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في 14غشت1941
على حق الشعوب في السيادة الوطنية و تصفية الاستعمار.
·
تواصل
أعضاء الحركة الوطنية مع الحلفاء بعد نزول قواتها بشمال إفريقيا لمطاردة النازية
والفاشية ابتداء من سنة 1943 .
·
وعد
الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا المغرب في مؤتمر أنفا سنة 1943 بالمساعدة على
تحقيق الاستقلال.
· تأكيد
جامعة الدول العربية منذ تأسيسها في مارس 1945 على مساعدة الحركات الوطنية
العربية على الاستقلال.
· تأكيد
ميثاق هيئة الأمم المتحدة التي تأسست في يونيو 1945 على الحرية والاستقلال.
·
التنسيق بين قادة الحركة الوطنية المغاربية وخاصة في إطار لجنة تحرير المغرب
العربي التي تأسست بمصر سنة 1946.
· دعم
حركة عدم الانحياز منذ تأسيسها سنة 1955 لحق الشعوب في الحرية والاستقلال وتصفية
الاستعمار.